بودكاست فلسفة بدون تفلسف الحلقة السادسة: هل تشعر بالسعادة؟

في الإعلانات الترويجية، بيتم غالباً استخدام صيغة التفضيل كبداية للإعلان، (المقصود بصيغة التفضيل اللي بتكون على وزن أفعل فعلاء وغيرهم..) أو حتى ككلمات مرّوجة للمنتج في قلب الإعلان: “هل تريد أن تصبح أكثر ثراءً؟”، “هل تريد أن تحصل على منزلٍ أفضل؟” / “وظيفة أعلى أجراً”، “هل تريد زيادة شعورك بالسعادة والرضا عن نفسك وحياتك؟” وهلمَّ جراًّ…

لكن مع الأسف الشديد محدش بيفكر في سؤال الشخص اللي قاعد يشوف الإعلان: هل تشعر بالسعادة والرضا أصلاً؟

بودكاست فلسفة بدون تفلسف، الحلقة السادسة: هل تشعر بالسعادة؟

“الألم هو ما يعلمنا الأشياء التي يجب أن ننتبه إليها عندما نكون صغاراً أو عندما نكون طائشين. وهو يساعدنا في رؤية ما هو جيد لنا وما هو سيئ. إنه يساعدنا في فهم حدودنا وعدم تجاوزها. إنه يعلمنا أن علينا ألا نعبث بالقرب من المدفأة الحارة، وألا نُدخل أجساماً معدنيةً في المقابس الكهربائية. هذا يعني أن تفادي الألم والسعي وراء المسرّة ليس بالأمر المفيد دائماً؛ لأن الألم يمكن أن يكون أحياناً ذا أهمية حاسمة فيما يتعلق بصحتنا وبقائنا.”

الفقرة دي من الصفحات الأولى في كتاب فن اللامبالاة لمارك مانسون، واللي بيوضح في أولى الصفحات من كتابه أهمية الألم في حياتنا، اتكلم في صفحات الكتاب عن موضوع مهم، إننا لو متعرضناش للألم، عمرنا ما حنعرف نعيش، وتطرق لأيدولوجية على قدر كبير من الأهمية وهي: السعادة الحقيقية موجودة في حل المشكلات مش القضاء عليها، كلام زي ده بيفكرني بجواب قالته أسطورة الهند “بادماڤاتي” لما سألها الكاهن عن تعريف السعادة، إجابتها كانت: وهم.

البعض بيشوف إن أوقات الألم والشدة أهم من أوقات الرخاء، غالباً حنلاقي أصحاب الفكر ده هم روّاد المدرسة الفلسفية التشاؤمية، زي آرثر شوبنهار مثلاً اللي بيُعتبر مؤسس المدرسة الفكرية دي، شوبنهار له مقولة بتلخص أيدولوجياته وفلسفته في الحياة: “الحياة تتأرجح كالبندول بين الألم والملل.”

تقريباً كده أحمد مطر كان من روّاد المدرسة بالصدفة لما قال في قصيدة له بعنوان المغبون:

“أيها الناس إذا كنتم كراماً

فعليكم حق إكرام الكرام

بدلاً من أن تُضيئوا شمعةً

حيوا الظلام!”

أنا ليه بدأت كلامي بالحديث عن أهمية الألم؟

لاحظت عبر قراءاتي القليلة جداً، إن فيه ثلة من المفكرين والمثقفين والأدباء.. إلخ إلخ إلخ، بيشوفوا إن الألم هو الطريق اللي بيمهد للشخص الوصول لسعادته، الفلسفة/الديانة البوذية على سبيل المثال بتقوم على الفكرة دي.

والبعض بيرى إن الألم قيمته أهم بكتير من قيمة السعادة اللي بنسعى وراها، ده معنى تلمسناه في كلمات مارك مانسون.

علي عزت بيجوڤتش، هو كمان له وجهة نظر فريدة جداً عن السعادة والتعاسة ذكرها في كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب).

بيقول علي عزت بيجوڤتش في إحدى فقرات الكتاب:

“إن فقدان الاختيار – وهو سمة قاتلة من سمات الحضارة – يظهر على أكثر ما يكون الظهور في العجز عن وقف إنتاج وسائل الدمار الشامل، كما يظهر في الإيقاع الرهيب لتخريب الحياة الطبيعية الذي يقوم به الإنسان المتحضر في بيئته. إنه الصراع بين الآلي والعضوي، بين المبادئ الصناعية والمبادئ الطبيعية في حياة الإنسان.”

وبيوضح في فقرة أخرى:

“الرفاهية هي الصورة البرانية، والعبثية هي الصورة الجوانية للحياة. فإذا عبرنا عن هذا الموقف تعبيراً جدلياً نقول: كلما زادت الرفاهية والرخاء كلما تعاظم الشعور باليأس والخواء.. وعلى عكس ذلك، يمكن أن تكون المجتمعات البدائية فقيرة تتفاقم فيها الاختلافات الاجتماعية الحادة، ولكن كل ما نعلمه عنها يشير إلى أن حياتها مليئة بمشاعر قوية خصبة. إن الفلكلور – وهو أدب المجتمع البدائي – يُرينا بطريقته الخاصة كيف يمكن أن يبلغ النشاط الحي أقصاه عند الإنسان البدائي. إن مشاعر الاستياء والقنوط مجهولة تماماً في المجتمع الفقير.”

وبيُكمل بيجوڤتش نقد الحضارة وفشلها في العثور على سر سعادة الإنسان في قوله:

“إن إخفاق الحضارة البيّن في سعيها لحل مشكلة السعادة الإنسانية بواسطة العلم والقوة والثروة، إذا فُهم وتم الاعتراف به، فسوف يكون له أقوى أثر نفسي على الجنس البشري. بهذا نبدأ في مراجعة بعض من أفكارنا الأساسية التي هي موضِعُ قبولٍ عامٍ حتى الآن. وأول فكرة يجب مراجعتها هي فكرة العلم الخاطئة عن الإنسان. فما دامت الحضارةُ عاجزةً عن حل مشكلة السعادة الإنسانية فلابد أن تكون فكرة الدين عن أصل الإنسان هي الفكرة الصحيحة وفكرة العلم هي الخاطئة، وليس هناك اختيار ثالث.”

علي عزت بيجوڤتش في الفقرات التلاتة بيرى إن الحضارة يعوزها العثور على سر سعادة الجنس البشري، وبيلاحم بين الحضارة والعلم في مقابل الثقافة والدين، وده موضوع طويل محتاج له حلقة لوحده، اللي يهمنا في الكلام ده هو رؤية بيجوڤتش لسبب التعاسة وهو الحضارة، وبيشوف إن كل ما الإنسان أشبع احتياجاته المادية، كل ما افتقد الشعور بالشبع؛ وتقريباً ده لأنه قاعد يملي الخزان الغلط.

ده كلام يستحق الوقوف عنده والتفكّر في مكنونه.

المرة الجاية لما تشوف إعلان بيحاول يوصل لمخك فكرة وجود السعادة في أي حاجة مادية حتقدر بقوتها الخارقة تزيد من مقدار سعادتك، اتذكر إن ورا الإعلان ده مجرّد معلن عنده منتج بيحاول يبيعه، مش دايماً السعادة مستخبية ورا المادة، مش دايماً مستخبية ورا الحاجات اللي نقصانا، أحياناً كتيرة بنحصل على الحاجات اللي ناقصنا بعد ما بنكون فقدنا الرغبة في امتلاكها، وبكده.. بيكون امتلاكها بعد فوات الآوان باعث على الشعور بالتعاسة مش السعادة.

السعادة شعور زيه زي الحزن، والغضب، والقلق، والرغبة، والجوع، والعطش، ملهوش مسببات للحصول عليه أو حتى زيادته، لو عايز تحس به على الدوام دوّر عليه في عالمك الداخلي (أنتَ) مش العالم الخارجي.

لو طلبتم مني – أعزائي المستمعين – تلخيص الحلقة دي في كلمات قليلة، حقولكم: الحلقة دي بتحاول توّضح فكرتنا المغلوطة عن السعادة، يمكن البوصلة مش خربانة، يمكن احنا اللي ماسكين البوصلة غلط!

حختم بمقولة لعلي عزت بيجوڤتش، اللي تقريباً كده كان ضيف الحلقة:

“لو لم يكن الليل لكنا عاجزين عن رؤية السماء ذات النجوم، وهكذا يجردنا الضوء من بعض الرؤية، في حين أن العتمة والظلام يساعداننا على أن نرى شيئا.”

لحد الحلقة الجاية كونوا بخير دائماً، والسلام عليكم.

أطلق العنان لآرائك💜

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑